محمد نبيل يستعرض رحلة بحثية لتشكيل ذاكرة وطنية من خلال قصة بابا والقذافي

محمد نبيل يستعرض رحلة بحثية لتشكيل ذاكرة وطنية من خلال قصة بابا والقذافي

في ظل قلة الإنتاج السينمائي الليبي، تبرز المخرجة جيهان ك. كواحدة من الأصوات النسائية العربية المميزة، حيث تقدم فيلمها الوثائقي “بابا والقذافي”، الذي يُعرض خارج المنافسة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الثانية والثمانين
.

يتميز “بابا والقذافي” بإيقاعه القوي، الذي يجمع بين السرد الشخصي والعام، ليعيد تشكيل ذكريات الابنة والأم حول الأب المفقود، خلال فترة سياسية مضطربة عاشتها ليبيا تحت حكم معمر القذافي
.

يتناول الفيلم قصة اختفاء منصور الكيخيا، وزير الخارجية الليبي وسفير ليبيا لدى الأمم المتحدة، وهو والد المخرجة، الذي كان من الشخصيات السياسية البارزة التي انشقت عن نظام القذافي، قبل أن يختفي من أحد فنادق القاهرة عام 1993، وقد تم العثور على جثته لاحقًا محفوظة في مجمد داخل مقر أمني بالقرب من أحد قصور القذافي، بعد سقوط النظام في 2011
.

تصف جيهان دوافعها لصنع الفيلم بقولها: “لا أريد أن يختفي والدي مرةً ثانية، أشعر بإلحاح لتجاوز هذا الفراغ بداخلي، وصنع هذا الفيلم الوثائقي ساعدني على فهم أهمية وجود الأب، وتأثير فقدانه على العائلة والمجتمع، بل وحتى الوطن بأسره”

تتجلى أهمية الفيلم بالنسبة لها وللسينما الليبية في تقديمه بصورة جريئة ومميزة
.

تضيف المخرجة: “في فيلمي الوثائقي، أغوص في ذكريات الآخرين لأرسم صورة أوضح لوالدي، الرجل الذي لا أتذكره”

يطرح الفيلم خلال مدته العديد من التساؤلات حول الحكم والسلطة في عهد العقيد، والذاكرة العائلية والجماعية، وآليات إدارة الأزمات التي خلفها الوالد بعد انشقاقه عن النظام وانضمامه إلى منظمة حقوق الإنسان
.

ما يثير الإعجاب في فيلم جيهان هو الشعور العميق بالترابط بين الأب وابنته، رغم عدم وجود ذكريات طويلة تجمع بينهما، حيث رحل وهو في عمر السادسة فقط، لكنها أضفت قوة للسرد من خلال استخدام لقطات أرشيفية، مع تقديم خلفية سياسية للأحداث، مما أضفى على الفيلم إحساسًا بالترقب لمصير الأب المفقود، الذي يكشفه الجزء الأخير من الفيلم
.

استغرق الأمر 19 عامًا للعثور على جثة الأب، ولم يتوقف الأمل خلال تلك الفترة، حيث تحملت الأم، بها العمّري، ما لا يُطاق من ألم البحث وحنين مشوّه
.

بين ذاكرة عائلية وهوية وطنية متأرجحة، وبين شهادات الحاضر من الأم والأصدقاء، وقسوة الماضي المتمثلة في زيارة الفندق الذي وقعت فيه الحادثة، أو الغوص في تفاصيل الاختفاء، يأتي هذا الفيلم كشهادة ضد النسيان، ورحلة مثيرة لفقدان الأب والوطن معًا
.