نمو الاقتصاد الأمريكي الهش في ظل الرسوم والتضخم المستمر

تبدو ملامح الاقتصاد الأمريكي وكأنها تتأرجح بين انتعاش مبيعات التجزئة من جهة، وزيادة الضغوط التضخمية وتراجع ثقة المستهلكين من جهة أخرى، مما يثير تساؤلات حول المستقبل القريب لهذا الاقتصاد.

في الوقت الذي تواصل فيه مبيعات التجزئة تسجيل ارتفاع للشهر الثاني على التوالي، تشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن هذه المكاسب مرتبطة بتأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما يرافقها من مخاوف حقيقية بشأن القدرة الشرائية للأسر الأمريكية في المستقبل القريب، إذ سجلت مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة خلال شهر يوليو/ تموز ارتفاعًا بنسبة 0.5% على أساس شهري، بعد زيادة قوية في يونيو/ حزيران بلغت 0.9% (معدلة من 0.6%)، وفقًا لصحيفة “لاتريبين” الفرنسية.

مبيعات التجزئة

ووفقًا لبيانات وزارة التجارة الأمريكية، بلغ إجمالي المبيعات 726.3 مليار دولار، وهو تطور يتماشى مع توقعات المحللين، حيث جاءت هذه الزيادة مدفوعة بشكل رئيسي بمبيعات السيارات والأثاث، بينما شهدت قطاعات مثل مواد البناء والإلكترونيات والمطاعم والمتاجر الصغيرة تراجعًا ملحوظًا.

ويعود هذا النمو بالأساس إلى تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على واردات من 90 شريكًا تجاريًا رئيسيًا، اعتبارًا من 7 أغسطس/ آب، حيث تتراوح هذه الرسوم بين 10% على معظم السلع المستوردة، وصولًا إلى 50% على بعض المنتجات، بينما تُطبق على البضائع الأوروبية سقوف تصل إلى 15%، وعلى السلع اليابانية 15% إضافية فوق المعدلات السابقة، مما أدى إلى تسريع وتيرة المشتريات من قبل المستهلكين خشية ارتفاع الأسعار.

ومع ذلك، تكشف هذه السياسة عن مفارقة، حيث يتحمل المستوردون الأمريكيون العبء المالي للرسوم وليس الدول المصدّرة، مما يضع المستهلك الأمريكي في مواجهة مباشرة مع خطر ارتفاع الأسعار.

أرباح المنتجين

بينما تؤكد الإدارة الأمريكية أن المنتجين الأجانب سيفضلون خفض هوامش أرباحهم للحفاظ على حصصهم السوقية، إلا أن هذا لا ينطبق إلا على السلع التي يمكن تعويضها بمنتجات محلية بديلة، ووفقًا لتقديرات “Budget Lab” بجامعة ييل، قد ترتفع نسبة التضخم إلى 1.9% في 2025، مع خسارة متوسطة في دخل الأسر الأمريكية تصل إلى 2,500 دولار سنويًا.

تشير البيانات إلى أن ارتفاع المبيعات قد يعكس زيادة الأسعار أكثر من زيادة الكميات المباعة، إذ أُعلنت الأرقام بالقيمة النقدية وليس بالحجم الفعلي، ويأتي ذلك في ظل تضخم سنوي عند 2.7% في يوليو (مقارنة بـ2.8% متوقعة)، مع تسارع أكبر عند استبعاد الطاقة والغذاء ليصل إلى 3.1%، وهو ما تجاوز توقعات السوق.

هذا الوضع انعكس بشكل مباشر على ثقة المستهلكين، حيث تراجعت بشكل ملحوظ في أغسطس/ آب، حيث انخفض مؤشر جامعة ميشيغان إلى 58.6 نقطة (-5% خلال شهر)، في أول هبوط منذ أربعة أشهر، مخالفًا توقعات المحللين الذين رجحوا ارتفاعه، وتشير مديرة الاستطلاع، جوان هسو، إلى أن “التدهور الحالي تغذيه بالأساس المخاوف المتعلقة بالتضخم”، مضيفة أن المستهلكين لا يتوقعون الأسوأ كما في أبريل، لكنهم يظلون متخوفين من تدهور التضخم والبطالة مستقبلًا.

رغم أن نمو مبيعات التجزئة يعكس ظاهريًا حيوية الاقتصاد الأمريكي، إلا أن عوامل هذا النمو ترتبط بقرارات سياسية ظرفية (الرسوم الجمركية) أكثر من ارتباطها بزيادة حقيقية في الطلب، ومع استمرار الضغوط التضخمية وتراجع ثقة المستهلكين، يبدو أن هذه المكاسب قصيرة الأمد وقد تتحول قريبًا إلى عبء على القدرة الشرائية للأسر الأمريكية.

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==.

جزيرة ام اند امز.

NL

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *